في كل المجتمعات يوجد هذان التياران ، وهما اساس التيارات الفكرية، كيف نقرر نحن الأشخاص العاديون ان نسلك المسلك الفكري الذي يناسبنا؟ أنسلك نحو اليمين المحافظ او اليسار المتحرر؟ او نضيع ما بينهم في المنطقة الرمادية التي لا لون لها ولا تأثير لها ايضاً!.

نحن هنا لا نصنف على اساس حزبي وانما على اساس فكري ومنطقي، ولذلك
انا اقصد بالمحافظين هم من يتمسك بالأصول والجذور ويرى نفسه هو الأصل والأفضل وهم الملائكة المنزهين وما دونهم شياطين ابالسة، ونجدهم في كل الجوانب الحياتية في الدين والسياسة والإدارة والاقتصاد… الخ.

المحافظون في الحقيقة هم أعداء بعض! فالمحافظين من المسلمين والمحافظين من المسيحين او اليهود او غيرهم تجدهم أعداء بعض كل طرف يحرض لقتل الاخر ويوصف الاخر انه الشيطان وانه هو وحده الملاك! هذه هي الحقيقة التي يجب ان نعترف به جميعاً.

اما المتحررون هم متحررين فكرياً وليس المقصود هنا التحرر الأخلاقي او ما شابه ذلك ، والمتحرر فكرياً يتقبل الطرف الاخر ويأخذ ما يصلح ويترك ما لا يصلح ولا يتمسك بأي من الافكار والمبادئ التي لا تناسبه او تعيقه، ويحاول جاهداً في البحث والتجديد للأفضل.

نجد كذلك ان التيار المتحرر لا يعادي بعضه البعض والمبادئ المشتركة التي تجمعهم قويه ، بل ان المتحررين هم صمام الأمان وهم من يخمد نيران التيارات الفكرية الاخرى التي تشتعل في كل يوم وفي كل طرف في العالم!.

اكثر المحافظون من المتدينين ولكن ليس صحيح ان جميع المتحررين من غير المتدينين ، فالفكر المتحرر لا يعني بالضرورة التخلي عن الدين ، فالفكر ان كان محافظ او متحرر لا يعني المساس بالدين أبداً وكل من يخوّن المتحرر ويضعه في خانة المنحرف عن الدين هو من الطرف الاخر وغالباً ما تصدر هذه الاتهامات من المحافظين! وفي المقابل ليس كل محافظ متحجر ، وايضاً المحافظة على اساس وبنيان الدين والأصول والجذور والهوية أمر مهم اذا ترافق مع تحرر الفكر وتقبل البحث والتجديد وتقبل الرآي الأخر فلذلك المحافظة مهمه والتحرر ايضاً مهم.

الفرق الجوهري بين المحافظين والمتحررين أمران مهمان الا وهما : التجديد والتقبل!
نعم فالعقبة الكبرى بين المحافظين والمتحررين هي جمود المحافظين ودينامكية المتحررين فالأخير يجاهد في البحث والتفكر للتجديد والأول متمسك بالجذور والأصول ويعتبر كل دعوة للتجديد عداء وكفر!

اما الفرق الاخر بين المحافظين والمتحررين هو “التقبل” فالمتحرر يتقبل الطرف الاخر المتحرر ويتقبل حتى المحافظ في الرآي والفكر ، اما المحافظين لا يتقبلون اي فكر او رآي يعارض مبادئهم وأفكارهم والتي يعتبرونها غير قابله للمس او النقد او البحث حتى!

مبدئ “التقبل” مهم فهو يجعل المحافظين عنصريين تجاه التيار المتحرر وعنصريين تجاه المحافظين من المجتمعات الاخرى! عكس المتحررين فلا عنصرية عندهم تجاه المحافظين او المتحررين في كل المجتمعات ، فالمتحررين يرتبطون بمشتركات مع المتحررين في المجتمعات الاخرى، والمحافظين يرتبطون بعدائيات مع المحافظين في المجتمعات الاخرى!.

اغلب الناس اليوم في المنطقة الرمادية يجامل هذا التيار وذاك ، ويوماً تجده متبني أفكار ومبادئ هذا التيار وفي اليوم الاخر تجده يرفع لواء التيار الاخر، طبعاً حرية الاختيار هي حق شخصي وفكري، ولكن علي المرء ان يختار التيار الفكري الذي سينتمي له بدون خوف وبدون مجاملات وبقناعة تامه غير متأثراً بغشاء إعلامي او فكري زماني او مكاني ، فالسلوك الفكري يحتاج وقت حتى ينضج ويعرف طريقة!.

في الخاتمة أميل الى التيار المحافظ ولكن المتحرر من القيود الفكرية والعادات والتقاليد البالية.

د. علي العامري